في الذكرى الرابعة والستين لاغتصاب فلسطينفي الذكرى الرابعة والستين لاغتصاب فلسطين
وإقامة الكيان الصهيوني
نضال متواصل من جيل إلى جيل
وثقة أكيدة بحتمية النصر مهما غلت التضحيات
بقلم:- أبو فاخر / سكرتير اللجنة المركزية لحركة فتح الانتفاضة
تحل على شعبنا وأمتنا في الخامس عشر من أيار من كل عام بدء من العام 1948, ذكرى اغتصاب فلسطين, وإقامة الكيان الصهيوني على ارض فلسطين.
ويعد هذا التاريخ ,تاريخ ليوم اسود في حياة الشعب الفلسطيني ,بل في حياة امتنا العربية ,نظرا لما حل في شعبنا من قتل وجرائم ومجازر ,وما نتج عنه من تشريد ولجوء ,وهو يوم اسود في حياة الأمة التي نكبت باغتصاب جزء من الوطن العربي ,ليقوم عليه كيان عنصري استعماري عدواني ,يمزق أرجاء الوطن, وتتهيأ له كل عوامل القوة ليهدد وحدة امتنا وتطورها وتقدمها ,ومن أجل خدمة المصالح والمشاريع الإمبريالية في وطننا العربي الكبير.
وهو يوم لا زال ّيذكر شعبنا بحجم الضعف والهوان والتقصير, بل والتأمر من جانب بعض الحكام ,مما أفسح المجال للحركة الصهيونية مدعومة من الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا العظمى ,اغتصاب الأرض وإنشاء الكيان الصهيوني على حساب شعبنا الفلسطيني .
وهو يوم لتاريخ ملطخ بالسواد والعار في حياة الأمم المتحدة والدول الأجنبية التي سارعت للاعتراف بالاغتصاب ,متجاهلة حق الشعب الفلسطيني في وطنه ,وحقه في تقرير المصير دون أي تدخل أجنبي ,وهي نفس الدول التي تتشدق اليوم بالدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ,متجاهلة تاريخها الأسود في التمدد والتوسع الاستعماري , وفي قهر الشعوب وإخضاعها ,وفي نهب ثرواتها ,ولازالت تدافع عن المغتصبين والمحتلين ,وتقدم كل أشكال الدعم والمساعدة العسكرية والاقتصادية ,وتؤمن له الحماية السياسية والقانونية ,وتبرء حكامه من الجرائم التي ارتكبوها ولا زالوا يرتكبونها .
وهو يوم يعد بداية للتوسع وشن الحروب على ما تبقى من فلسطين ,وعلى الأمة بأسرها ,لأهداف تتعلق باستكمال المشروع الصهيوني على أرض فلسطين من جهة ,ولوظيفته في خدمة الأهداف الإمبريالية في وطننا العربي، كونه جزء لا يتجزء منها ومن استراتيجيتها ومشاريعها الاستعمارية التي لم تتوقف، وتجدد نفسها في كل حين ومرحلة بما يلائم مصالحها، الأمر الذي يكشف حقيقة وجوهر وأهداف إقامة وإنشاء هذا الكيان في قلب الوطن العربي، فلسطين ، ويكشف عن وظيفته التي أنشئ من أجلها كثكنة عسكرية متقدمة وقاعدة للعدوان.
لكن هذا اليوم وبعد أكثر من ستة عقود على اغتصاب فلسطين، أصبح يحمل معنى أخر، فقساوة ومرارة النكبة ـ الكارثة ، التي حلت بالشعب الفلسطيني، لم تقعد الشعب عن المطالبة بحقوقه، ولم يكن بمقدورها أن تكبل شعبنا وتسلبه إرادته، ولم تنجح في أن تحول شعبنا إلى جموع هائمة ، ضائعة ، فاقدة لهويتها، راضخة ومستسلمة لمشيئة الأعداء ، متوسلة الإغاثة والعون و المساعدة ، وأيضا وبالتأكيد لم تتمكن النكبة وقساوتها ، والعذابات التي عاشها شعبنا سنوات طويلة إثرها من أن تنزع فلسطين من الصدور والقلوب وتضعها في غياهب النسيان.
هذه هي الحقيقة المرة التي هزت الفكر الصهيوني، وفاجأت ربما المخططين والمنظرين في الحركة الصهيونية، وهم يخططون ويتآمرون على اغتصاب فلسطين وطرد شعبها منها.
فلقد راهنو على الزمن، الذي كلما طال وامتد، يحمل معها إلى القبور، الكبار الذين عاشوا في فلسطين، ورووها بعرقهم ودمهم، ويحمل معهم النسيان للأجيال التي تولد خارجه، فتتكيف مع واقعها الجديد، فيصبح وطن الأباء والأجداد مجرد ذكرى، أو درس في الجغرافيا، كمن يدرس العصر الجليدي أو العصر الحجري الأول أو الثاني، ومن بعدها العصر البرونزي في تفسير لكيفية نشوء الحياة على كوكب الأرض.
غاب عنهم أن الإنسان ربما ينسى في حياته أشياء كثيرة تكون قد مرت عليه، لكنه لا ينسى وطنه، هذا على صعيد الأفراد، أما على صعيد الشعب، فالوطن بالنسبة له تاريخ وتراث وحضارة ومقدسات وهوية وحاضر ومستقبل ومصير ، تاريخ يشهد على تضحيات لأجيال وأجيال في مواجهة الغزاة الذين تعاقبوا على فلسطين، وعلى اندحارهم.
وهذا بالضبط ما أعطى للوطن قدسيته، وأبقى القضية حية، وأبقى الحقوق راسخة وثابته، وأبقى على التوق والتطلع لمواصلة النضال، الخيار الوحيد أمام الشعب الفلسطيني والأسلوب الوحيد الذي يتمكن من خلاله اقتلاع الغزاة وتحرير الوطن وعودة أبناءه اليه.
فما أن استجمع الشعب الفلسطيني قواه من جديد بعد النكبة، وعمل على تنظيم صفوفه وتحشيد طاقاته وإمكانته، حتى اندلعت الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي كان لحركة فتح شرف تفجيرها.
ويعد يوم إنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وما تلاه من نضالات ومعارك وهبات وانتفاضات وصمود وتشبث بالأرض، بداية اليوم الذي سيشكل في أرشيف الصهاينة مهما طال الزمن ( أرشيف وليس تاريخ.. فليس بوسع الغزاة أن يكتبوا صفحات تاريخ مهما طال زمن الاغتصاب والاحتلال )، تشكل الأزمات التي تعصف بمشروعهم الاستعماري الاستيطاني، وهي أزمات تتوالى وتكبر وتتسع لتصل إلى حد المأزق الإستراتيجي الذي بات يهدد وجودهم وبقائهم على أرض فلسطين، وهذا ما يجب أن يكون أول استخلاص يؤشر على أهمية انبعاث الصوت الفلسطيني والدور الفلسطيني في مواجهة هذه الغزوة الاستعمارية، وعلى أهمية الصراع مع العدو الصهيوني، وأهمية خط ونهج المقاومة والهبات والانتفاضات الشعبية، وما يراكمه هذا كله من نتائج في مسار تعميق أزمات العدو على طريق اندحاره وهزيمته.
وعلى الرغم من أننا لسنا بصدد استعراض الانجازات الوطنية التي تحققت بفعل النضال الوطني والثورة المعاصرة، ولا أمام شرح مطول للأزمات التي يعيشها ويتخبط بها العدو بفعل الصراع والمواجهة والمقاومة، إلا أننا نتوقف أمام مسألتين محوريتين في نضالنا الوطني.
المسألة الأولى: ـ الواقع الذي يعشيه الكيان الغاصب اليوم ، رغم ما يمتلك من ترسانة السلاح والقتل، والدعم الغربي الاستعماري على كل صعيد ، وهو واقع يبين بوضوح: ـ
<!--[if !supportLists]-->· <!--[endif]-->مدى الهلع والذعر الذي يعشيه الكيان ، وقد وجد نفسه بعد أكثر من ستة عقود من الزمن، يخفق في تهويد فلسطين ، بمعنى التخلص من الشعب الفلسطيني، وإنهاء وجوده على أرض فلسطين، فعلى أرض فلسطين اليوم أكثر من 5.5 مليون نسمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وفي الضفة الغربية ، وفي قطاع غزة، فتتهاوى بهذا مقولة أرض بلا شعب ، لشعب بلا أرض ، الذي توهمها العدو طويلا ، وعمل على تعميمها والتجول بها في أرجاء المعمورة .
<!--[if !supportLists]-->· <!--[endif]-->إن هذه الجماهير أضحت جماهير مقاومة ، تناضل وتكافح ، تهب وتنتفض ، تصارع الاستيطان والمستوطنين ، تتمسك بأرضها وبهويتها وبحقوقها ، تحمي المقدسات، تخلخل أمن العدو ، وتهز مقومات مشروعه الاستيطاني الاستعماري ، وإستراتيجيته التي تقوم على تحويل فلسطين كلها، قاعدة آمنة للقيام بدوره الوظيفي العدواني في خدمة المصالح الإمبريالية ضد وطننا العربي بأجمعه.
<!--[if !supportLists]-->· <!--[endif]-->فشله واخفاقه في الاحتفاظ بالأراضي التي يحتلها ، فلقد انكفئ صاغرا من لبنان بفعل المقاومة فيها وما تكبده من خسائر في الأرواح والمعدات ، وخرج من قطاع غزة ، وكان فعل المقاومة فيها والخسائر التي تكبدها ، من أهم دوافعه للإنسحاب من القطاع جنودا ومستوطنين.
<!--[if !supportLists]-->· <!--[endif]-->فشله واخفاقه في تحقيق أهدافه من خلال شن الحروب، فأخفقت نظرية الردع والحسم السريع ، التي قامت عليها عقيدته العسكرية في تحقيق أهدافه بالحرب التي شنها على لبنان عام 2006 ، وكذلك على قطاع غزة أواخر عام 2008 .
<!--[if !supportLists]-->· <!--[endif]-->أدرك أنه غير قادر على تجنيب عمقه الاستراتيجي والمدن التي يتواجد بها مستوطنيه أثار الحرب ، فلقد هزت حربه على لبنان عام 2006 نظرياته الأمنية عندما دكت الصورايخ المدن والمواقع العسكرية والمنشآت الاقتصادية في عمق الكيان، ولقد شكل هذا التطور بحد ذاته انقلابا في مفاهيمه العسكرية التي قامت على أن تكون ساحة حروبه خارج الأراضي التي يحتلها، وأن يحسم الحرب بأيام قليلة.
<!--[if !supportLists]-->· <!--[endif]-->اخفاقه بالتمدد والانفتاح وتعميم سياسية وثقافة التطبيع في أرجاء الوطن العربي، رغم ارتباطه بمعاهدات واتفاقيات مع بعض الدول العربية، فبقيت مفاعيلها محصورة بالصعيد الرسمي دون أي نجاح يذكر على الصعيد الشعبي.
إن هذا الواقع وهذه الوقائع، دفعت قادة العدو ومفكريه ومؤسساته العسكرية والأمنية والبحثية، للبحث والنقاش في مسألة إستراتيجية كبيرة تتعلق بالبقاء والاستمرار ، ومدى القدرة على ذلك وإلى أي مدى يمكن لمشروعهم الاستيطاني الاستعماري النجاح.
المسألة الثانية : ـ تتعلق بحالة (الانفراج)، التي ينعم بها العدو وأتاحت له الاستمرار في تنفيذ مشاريعه، وإن كانت نسبية بالنظر لأزماته ومأزقه ، ويمكن إجمالها بمايلي :ـ
<!--[if !supportLists]-->· <!--[endif]-->ولوج طريق المفاوضات والتسويات والبحث عن الحلول وعقد الاتفاقيات والمعاهدات والتنسيق الأمني معه سواء على صعيد السلطة الفلسطينية أو على صعيد بعض الأطراف العربية ، واستعداد فريق السلطة لتقديم المزيد من التنازلات في كل القضايا ، الأمر الذي بدى واضحا في الوثائق المسربة والتي جرى الكشف عنها مؤخرا .
<!--[if !supportLists]-->· <!--[endif]-->تنصل العديد من أطراف النظام الرسمي العربي من قضية فلسطين ، وخروجها من دائرة الصراع ، والاستعداد للاعتراف به وبحقه في الوجود ، وإقامة العلاقات معه ، وتشكيل محاور سياسية وأمنية ، لاختلاق عدو جديد ، ودخول حلبة الصراع معه ، بدلا من أن يكون عمقا مساندا ومؤيدا لأمتنا في صراعها مع العدو الصهيوني .
<!--[if !supportLists]-->· <!--[endif]-->الدعم الاستعماري وفي مقدمته دعم الولايات المتحدة الأمريكية اللامحدود ، واعتبار أمن العدو وتفوقه مهمة إستراتيجية لهم ، مما يشجع العدو على الاستمرار في مخططاته ومشاريعه.
<!--[if !supportLists]-->· <!--[endif]-->ضعف وتراجع المقاومة داخل فلسطين ، نتيجة جملة من العوامل ، أهمها حالة المطاردة والقمع والاعتقال التي مارستها أجهزة أمن السلطة.
إن هذه العوامل مكنت العدو من الاستمرار في الاستيطان وا لتوسع في بناء المستوطنات ، وادارة الظهر لكل الدعوات لتجميد الاستيطان حتى ولو لأشهر قليلة ومكنته من الانتقال لحالة فرض الشروط والإملائات .
وهكذا نرى ونستخلص بوضوح، مدى الأزمات التي يشكلها نهج الصراع والمقاومة والتصدي ، ومدى الانفراجات التي تخفف من أزمات العدو وتجعله قادرا على تنفيذ مخططاته ومشاريعه.
ونقول بكل وضوح ومرارة أن هذا الاستخلاص يبدو اليوم غائبا ، في ظل إنشغال ساحتنا الفلسطينية بملفات المصالحة وتشكيل الحكومة واللهاث وراء أوهام الدولة المزعومة، وإعطاء الفرص من جديد للعدو لإمتحانه عما إذا كان راغبا بالسلام أم لا ، دون اي إستخلاص أنه لم يتوجه يوما للسلام ، بل لفرض الاستسلام على شعبنا.
ويبدو غائباً أكثر ونحن نشهد بكل مرارة تضاؤل حجم الاهتمام بقضية فلسطين تضاؤلاً يصل إلى حد الغياب عربياً ودولياً, بل وأكثر من ذلك على الصعيد الشعبي العربي في العديد من الأقطار العربية, نظراً للمستجدات الطارئة في أكثر من بلد عربي.
ومما يزيد من خطورة هذا الغياب هو حالة الانتظار التي تتسم بها الساحة الفلسطينية, انتظارٌ يمكن وصفه بانتظار المجهول, انتظارٌ دون أي استعداد أو استنفار أو تهيئة أو تخطيط لما يمكن أن يحمله قادم الأيام من مخاطر تعصف أولاً وقبل كل شيء بقضية فلسطين بكاملها.
إنه غياب يشكل سانحةً للعدو الصهيوني لمواصلة برنامجه ومشروعه الاستيطاني التهويدي في عموم فلسطين, وانتظارٌ هو بمثابة شللٍ وعجز تغيب فيه المبادرة والدور الفلسطيني المقاوم محرك الأحداث وعامل النهوض للأمة.
ربما ينتظر البعض الانتخابات في أمريكا والكيان الصهيوني وما يمكن أن تسفر عنهما, أو إجابة نتنياهو على رسائل رئيس السلطة ( نظرية الرسائل المتبادلة ), انتظار يسوع المخلص الذي يوقف الاستيطان, ويفرض على العدو الانسحاب, ويمنح الشعب الفلسطيني مكرمة الدولة المزعومة, التي أصبح دهاقنة الصهاينة وعرابي أوسلو والمفاوضات ( يوسي بيلين ) مثالاً يقول لم يعد هناك أملاً في حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية, وينصح أبو مازن بحل السلطة, ووضع 4 مليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة في وجه نتنياهو ليتحمل مسؤوليتهم.
ربما ينتظر البعض ما ستؤول إليه الأوضاع في سورية أو مصر أو باقي البلدان العربية ليحدد بعد ذلك الخطوة المقبلة طبقاً لمصالحه المتشكلة, وليس طبقاً للمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
افتقاد الدور والعامل الفلسطيني المقاوم, والغياب الذي تعيشه قضية فلسطين كقضية, والانتظار البائس الذي تعيشه الساحة الفلسطينية, خطرٌ داهم على قضية فلسطين, لكن بيد أصحاب القضية أنفسهم.
وهو الذي يزيد من مرارة النكبة التي تطل علينا في ذكراها الرابعة والستين, ولكنها تحفزنا وتزيد من عزيمتنا وإصرارنا على حماية قضيتنا وحقوق شعبنا وأهدافه الوطنية في التحرير والعودة, مهما كانت العقبات والصعاب والتضحيات.