فلسطين قضية حياتينُشرت بواسطة AMeRooO في 30 - أبريل - 2010تتشرف إدارة الموقع بنشر كتاب الأخ القائد أبو موسى أمين سر اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح الانتفاضة.
فلسطين قضية حياتي وذلك لتعميم الفائدة على الأخوة زوار الموقع
5سعيد موسى مراغة (العقيد أبو موسى)فلسطين: قضية حياتيذكرياتي وتجاربي في الثورة الفلسطينيةالإهداءإلى الشعب العربي الفلسطيني المجاهد البطل
إلى انتفاضة الأقصى المباركة
إلى أطفال الحجارة البواسل
إلى أرواح الشهداء الفلسطينيين والعرب، الذين
قدموا دماءهم الطاهرة، من أجل تحرير فلسطين الحبيبة،
و تحرير الجولان الغالي..
و استعادة سيناء العزيزة..
وتحرير الجنوب اللبناني الحبيب.
إلى كل المقاومين للمشروع الإمبريالي – الصهيوني في وطننا العربي.
إلى كل الأحرار والشرفاء في عالمنا الرافضين للظلم والعدوان
أهدي هذا الكتاب.
شكر وتقديرأتقدم بالشكر والتقدير، للأخ المناضل السيد محمد حسين عرفة، (أبو خالد حسين) الذي ساعدني على إخراج هذا الكتاب إلى حيز الوجود.
بسم الله الرحمن الرحيمتقديملم يكن يخطر ببالي في يوم من الأيام، أنني سوف أتحدث (أكتب) وبعد مضي سنوات طوال، عن ذكرياتي وتجربتي في الثورة الفلسطينية، والتي هي من أغنى وأطول وأعقد الثورات في عالمنا المعاصر، وما اكتنفها ولازمها من خصوصية نادرة، على امتداد قرن من الزمن، وفي ساحات متعددة، لكل منها ظروفها.
لذا فإنه من دواعي فخري واعتزازي أنني شاركت وأسهمت ما استطعت في النضال الوطني التحرري للشعب العربي الفلسطيني، إبان فترة الانتداب (الاستعمار) البريطاني على فلسطين، وثورات الشعب العربي الفلسطيني المتتالية ضد الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية والمشروع الصهيوني لاغتصاب فلسطين، وكذلك إبان فترة الثورة الفلسطينية المعاصرة. وكنت خلالها على صلة وثيقة ومباشرة بمجريات الأحداث السياسية والعسكرية المتلاحقة، وبقواعد المقاتلين وتشكيلاتهم العسكرية والقتالية، مما أسهم في تطور وبلورة خبرتي وتجربتي الذاتية النضالية.
ومثل غيري من المقاتلين الفلسطينيين، رفضت أن أكون في مواقع خلفية، وعشت معهم ملحمة الثورة الفلسطينية المعاصرة، في مواقع متعددة من المسؤولية، وفي أماكن مختلفة من مسرح عملياتها البطولية المتواصلة، والتي كنت في الغالب مشاركا فيها وشاهدا عليها، مما زاد من رسوخ وثبات قناعاتي، بضرورة استمرار وتواصل الفعل الثوري، إن لجهة تحقيق أهداف الثورة، أو لحمايتها وصون ومواصلة مسيرتها والدفاع عنها وعن جماهيرها، وتطوير الفعل الكفاحي المنظم، واستنهاض الجماهير، وتنظيمها وتعبئتها، ورفض الدخول في متاهات التسويات المذلة، والإصرار على تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني.
لقد حفلت تجربتي في الثورات الفلسطينية-وبخاصة في ثورتنا الفلسطينية المعاصرة- بأحداث ووقائع صعبة وخطيرة للغاية، وقد شهدت فيها وغيري من أبناء شعبنا ومقاتلينا الانتصارات والهزائم، كما تعرضت وإياهم إلى المحن القاسية، التي لا تزال ذكراها حية في النفوس بكل قسوتها ومرارتها.
لم يكن هذا الكتاب ليصدر استجابة فقط لتمنيات رفاقي وأخواني وأصدقائي، بضرورة الكتابة عن تجربتي النضالية، وإنما وجدت نفسي أيضا مدفوعا بنداء الواجب الوطني والقومي، لتدوين وقائع وأحداث كي لا يطويها النسيان مع الأيام، وليكون هذا العمل كتابا مفتوحا لتجربة، قد تستفيد منها الأجيال القادمة من أبناء شعبنا الفلسطيني، في مسيرته الكفاحية-الجهادية، الطويلة والمريرة، مع العدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية الداعمة له، والاستفادة كذلك من تجارب نجاحنا وإخفاقنا، مع التأكيد على أن العمل الجماعي والعقل الجماعي والقيادة الجماعية، وليست العقلية الفردية والمتفردة بالقرار السياسي والعسكري والتنظيمي، إضافة إلى استمرار المراجعة النقدية لمسيرة الثورة، هو ما يجنبها ويجنب شعبنا المنزلقات الخطيرة والمتاهات المكلفة والمهلكة.
إن ذاكرة الإنسان، مهما كانت على درجة متقدمة من الذكاء والوضوح، فهي ليست قادرة على استرجاع واستحضار الماضي بدقة كافية، لذلك فقد كان علي العودة باستمرار إلى ما في حوزتي من وثائق، وما دونته في دفاتري من ملاحظات في أوقات معينة، لها صلة بما سأتطرق إليه من وقائع وأحداث، متوخيا الدقة والصدق والموضوعية، وحريصا في ذات الوقت أشد الحرص، على الأمانة في سرد الأحداث وتناولها، وعدم التجني على أحد أو تعمد الإساءة إليه.
وقد قسمت هذا العمل إلى أربع مراحل هي:
1. المرحلة الأولى – وتمتد منذ ولادتي وحتى عام 1948. عام اغتصاب فلسطين
2. المرحلة الثانية – وتمتد من عام 1948- حتى العام 1967 عام هزيمة حزيران
3. المرحلة الثالثة – وتمتد من عام 1967- حتى عام 1982 حيث الغزو الصهيوني للبنان وخروج قوات الثورة الفلسطينية من بيروت.
4. المرحلة الرابعة – وتمتد من عام 1983 حيث انتفاضة حركة فتح والأسباب الموجبة لها.
وأخيرا، فإني لا أدعي أن هذا الكتاب قد احتوى الكمال والشمولية في تناول العمل الوطني الفلسطيني، كما وأن تجربتي في الثورة الفلسطينية ليست إلا واحدة من التجارب البطولية لشعبنا الفلسطيني العظيم، بإستشهادييه ومقاتليه ومناضليه.
والله ولي التوفيق
والحمد لله رب العالمين
سعيد موسى مراغة
العقيد/ أبو موسى
الفصل الأول1- الطفولة والنشأةشاءت إرادة الله عز وجل، أن آتي إلى هذه الحياة الدنيا، وأن يكون مولدي في قرية سلوان الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة القدس، والقريبة منها والتي أصبحت اليوم إحدى ضواحيها. وقد كنت الابن البكر لوالديّ، اللذين رزقا على التوالي أبناء غيري وهم: اسحق، محمد، أحمد. وكما قيل لي فيما بعد فقد كانت طفولتي معافاة، وتمتعت فيها بصحة جيدة وبنية قوية.
وأما العائلة التي نشأت في كنفها فقد كانت تتكون إضافة لوالديّ وإخواني جدي وجدتي وأبنائهما. وكان البيت الذي نسكن فيه فسيحا ومن السعة بحيث يتسع للجميع، وكانت العائلة بجميعها متدينة، وقد أدى والديّ رحمهما الله فريضة الحج. ومع أن عائلتي لم تكن غنية، إلا أنها مستورة وميسورة الحال إلى حد ما، ولم تكن أحوالها المعيشية تدعو للقلق، ولم تكن تعاني من الفقر والعوز اللذين يعاني منهما بعض الفلاحين الفقراء في المجتمعات الريفية.
وقد عشت طفولتي كما عاشها بقية أقراني في قريتنا سلوان وبقية القرى الفلسطينية الأخرى. أرسلت في سن مبكرة من قبل والدي لتعلم قراءة القرآن الكريم في كتّاب القرية على يد الشيخ (القاضي) ثم التحقت بعد ذلك بمدرسة القرية الابتدائية وكانت تسمى (مدرسة سلوان الابتدائية) حيث أكملت فيها الصف السابع الابتدائي أي نهاية المرحلة الابتدائية، وكان علي أن أذهب للدراسة في القدس لإكمال المرحلة الثانوية، لكني لم أذهب إليها بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي كانت تمر بها فلسطين في ذلك الوقت. وبقيت في قرية سلوان وبدأت أساعد الأهل في الأعمال الخاصة.
ولا تزال ذاكرتي تختزن صورا مفرحة من أيام طفولتي، حين كنت وبعض أصدقائي وأقراني، نأخذ في الصباح الباكر رغيف خبز الطابون1 الطازج الشهي مع بيضتي دجاج مشويتين في رماد الطابون، ونذهب أيام الربيع إلى الحقول، ونستمتع باستنشاق نسمات الهواء العليل، الذي يحمل رائحة الأرض والمزروعات، ورائحة الطابون اللذيذة والنرجس البري، لتشكل مزيجا عطريا لروائح محببة للنفس، مضافا إليها صياح الديكة وثغاء الغنم وزقزقة العصافير وحفيف الأشجار، أو حينما كنا نذهب في الصيف إلى بيدر القرية للمساعدة في عملية درس حبوب القمح والشعير، والبقاء طويلا على أرض البيدر، حتى بعد انتهاء العمل وبخاصة في الليالي المقمرة، والتمتع بانعكاس ضياء القمر، على أرض البيدر المذهبة بأكوام حصيد القمح. والأمر كذلك في فصل الخريف حينما كنا نذهب للمساعدة في (جَدْ)2 الزيتون وحمله بعد ذلك إلى القدس لعصره واستخراج الزيت منه في معاصرها، بعد أخذ احتياجات الأسرة منه حباً. كانت أفراحاً طفولية بريئة، ولم نكن ندري وقتها ما تخبئه لنا الأقدار من محن ومآسي على يد قوات الجيش البريطاني (المُستعمِرْ) والعصابات الصهيونية الغادرة والمدعومة منه. وأننا نعيش طفولة مهددة في مستقبلها ومصيرها.
وأتذكر جيداً، كم كانت فرحتي كبيرة، حين كان والديّ يصحباني معهما كل يوم جمعة، لأداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، وبعد إتمام الصلاة،
_______________________________
1. هو رغيف قريب إلى حد ما من رغيف خبز التنور.
2. جد الزيتون أي قطفه وجمعه.
نأخذ بالتجوال في شوارع القدس العتيقة المسقوفة والمبلطة، لشراء بعض الحاجيات المنزلية والحلوى قبل عودتنا إلى القرية، وكم كنت أمقت الجنود البريطانيين، وكذلك اليهود الصهاينة الذين كنا نصادفهم في الطريق إبان تجوالنا. وأتذكر كذلك كيف كنا نحرص أنا وبعض أقراني وأصدقائي، على مرافقة آبائنا إلى المسجد الأقصى المبارك في شهر رمضان المعظم، وبالأخص في ليلة القدر العظيمة، لأداء صلاة المغرب والعشاء وصلاة التراويح، وإحياء ليلة القدر في التعبد وقراءة القرآن الكريم حتى موعد صلاة الفجر، ثم نتوجه إلى قريتنا ومن ثم إلى مدرستنا، وكيف أن النعاس كان يغالبنا في حصة الدرس، وكيف أن الأساتذة كانوا يصفحون عنا لعلمهم بأننا أمضينا الليل بطوله متعبدين في المسجد الأقصى المبارك، حيث إن كثيراً منهم كانوا يتعبدون فيه مثلنا. وما أحسست منذ ذلك الوقت وحتى الآن بالأمان، وشعرت بالاطمئنان، وراحة النفس والبال، كتلك التي كنت أشعر بها وأنا في المسجد الأقصى المبارك أو في رحابه. فكأن طيفا روحانيا مباركا كان ينسدل علي ويغمرني بشعور الرضا والأمان. وبالقدر الذي كانت فيه عائلتي مطبوعة بالتدين والتقوى والورع، كما ذكرت أنفاً، فإنها كذلك كانت مطبوعة بروح الجهاد والكفاح الوطني ضد قوات الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية، فجدي استشهد عام 1939 على يد الجيش البريطاني وأحد أخوالي كان من الثوار الفلسطينيين.وما تزال صورهم عالقة في ذهني ومحفورة في ذاكرتي، وبما كانت تثيره في نفسي من مشاعر الفخر والحمية والحماس، وهم يمتطون الخيول، ويمتشقون بنادقهم، ويعتمرون الكوفية والعقال، ويتمنطقون (السلاحلك)1 على صدورهم، ويرددون أهازيج وأشعار
1. السلاحلك: هو جناد من الجلد أو الكتان، به موضع لطلقات الفشك، كما كانوا يسمون الذخيرة ويوضع على الصدر والكتف من اليسار إلى اليمين أو على الظهر والصدر.
النخوة والوطنية. لقد تفتح وعيي الوطني في سن مبكرة من طفولتي، وأنا استمع إلى أحاديث الرجال الكبار في مجالسهم، التي كانت تعقد في بيتنا أو في البيوت الأخرى من القرية، وهم يتحدثون عن المطامع الاستعمارية البريطانية منذ بداية القرن العشرين في بلادنا، وعن هجرة اليهود الصهاينة إليها، ومساعدة أول مندوب سامٍ بريطاني (اليهودي هربرت صموئيل) وغيره لهم، وانتفاضات (وهبات) الشعب العربي الفلسطيني ضد الانتداب البريطاني على فلسطين وضد هجرة اليهود الصهاينة إليها، وعن ثورة البراق عام 1929، وقيام بريطانيا بإعدام الشهداء الثلاثة الأبطال في سجن عكا وهم عطا الزير، محمد جمجوم، فؤاد حجازي، وكيف أنهم تسابقوا إلى شرف الاستشهاد من أجل عروبة فلسطين. وعن ثورة شيخ المجاهدين الشهيد عز الدين القسام، ابن قرية جبلة السورية، وعن استشهاده البطولي في أحراش أم الريحان قرب يعبد في قضاء جنين عام 1935، وثورة 1936 التي فجرها بداية القساميون والتي استمرت حتى عام 1939 وقيام الإضراب الكبير الذي استمر ستة أشهر. وكذلك عن استشهاد البطل محمد سعيد العاص، ابن مدينة حمص السورية في منطقة بيت لحم عام 1936 الذي دفن في فلسطين في منطقة بوابة الخضر كما وكانت أحاديثهم تتناول جهاد المفتي الحاج محمد أمين الحسيني ومقاومته للبريطانيين والصهاينة. وكانوا يتحدثون عنه بإجلال واحترام كبيرين.
وكذلك كانوا يتحدثون عن القائد فوزي القاوقجي ابن مدينة طرابلس اللبنانية بالاعتزاز والإكبار الذي كان مثال البطولة في نابلس وقراها (جبل النار) ويرددون معه أسماء المناضلين عبد الرحيم الحاج محمد، وعارف عبد الرازق والشيخ محمد الأشمر ابن دمشق وغيرهم من باقي مناطق فلسطين. ولازلت أذكر واحفظ الأغاني والأهازيج الشعبية، التي نظمتها وصاغت لحنها الجماهير الفلسطينية،