القدس
بدأت تطفو على السطح قضيّة قيام نتنياهو بشن عدوانٍ عسكريّ، أوْ حملة عسكريّة، وذلك لإنقاذ سلطته من الاحتجاجات التي تتواصل للأسبوع الثالث على التوالي، حيث كتب المحلل للشؤون الإستراتيجيّة في صحيفة 'هآرتس' العبريّة، يوسي ميلمان، إلى أنّ حرب عام 1967 كانت قد أخرجت إسرائيل من حالة الركود الاقتصادي، والحرب العالمية الثانية كمن أخرجت الولايات المتحدة من الكساد الكبير. وقال المحلل إنّه في العام 1966 كانت إسرائيل في حالة ركود اقتصادي، وأدت خيبة الأمل واليأس إلى موجة هجرة من البلاد، لدرجة أنه جرى تعليق يافطة في مطار اللد، في عهد رئيس الوزراء، ليفي أشكول، كتب عليها: يُطلب من المغادر الأخير أن يطفئ الأضواء. ولكن بعد مرور أقل من عام واحد انقلبت الأوضاع بشكل تام، على حد تعبيره.
ويتابع أنّه بعد الحرب أشارت تقديرات وادعاءات إلى أن المستوى السياسي الإسرائيلي كان معنيًا بالتصعيد على الحدود مع سورية، بادعاء قيام الأخيرة بتحويل مجرى مصادر نهر الأردن، وذلك في محاولة من القيادة السياسية للفت الأنظار عن الركود الاقتصادي، مستعينًا بالكاتب العربيّ الكبير، محمد حسنين هيكل، الذي كتب في مناسبات عديدة أنّ القيادة الإسرائيلية تبادر إلى المغامرة العسكرية مع حصول أية أزمة داخلها.
وبرأي المحلل فإنّ التاريخ الحديث شهد حروبّا أدت إلى نمو اقتصادي وحولت الأنظار عن المشاكل الداخلية التي أعاقت عمل السلطة، لافتًا إلى أنّ أمريكا خرجت من الأزمة الاقتصادية (الكساد الكبير 1929) ليس بسبب خطة (نيو ديل) التي عُرفت باسم العهد الجديد، وإنّما أيضا بسبب الحرب العالمية الثانية التي زادت من طاقات الإنتاج في الاقتصاد الأمريكي.
ولفت ميلمان إلى أنّه منذ أنْ بدأت ثورة الشعب يريد العدالة الاجتماعيّة، فإنّ قليلين ملكوا الجرأة للتعبير عن مخاوفهم من إمكانية أن يحاول نتنياهو التسبب بأزمة أمنية، مثل التصعيد على الحدود الشمالية أو حملة عسكرية ضد حركة حماس في قطاع غزة، وذلك للخروج من الضغوط، وكانت بينهم النائبة زهافا غلؤون (ميرتس) التي صرحت بأقوال مماثلة لصحيفة 'هآرتس'.
ولفت المحلل إلى تلميحات يمكن أن تفهم من أقوال أدلى بها الوزير سيلفان شالوم في مقابلة تلفزيونية، حيث ذكر أنّ من بين أسباب اندلاع الاحتجاجات الاجتماعية هو الهدوء الأمني الذي يسود في السنوات الأخيرة بما يتيح للجمهور التركيز على قضايا المجتمع والاقتصاد، وبرأيه فإنّ منْ يعتقد بمثل هذه العلاقة، فمن الممكن أن يستخلص من أقوال شالوم أنّ الهدوء الأمني قد يتبدد بين عشية وضحاها بحيث يؤدي ذلك إلى تراجع الاحتجاجات وإلى عودة الموضوع الأمني المحبوب والمعروف والمريح لحكومات إسرائيل على جدول الأعمال.
كما تطرق ميلمان إلى أنّ المبادرة إلى الخيار العسكريّ قد طرحت في جلسات مغلقة ومحادثات خاصة، وحتى في التظاهرة الكبرى في تل أبيب، مشيرًا إلى أنّ السيناريو السهل والمريح، والذي يحظى بدعم الجمهور ليس عملية عسكرية وإنما صفقة تبادل أسرى لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير في قطاع غزة غلعاد شاليط، وبحسبه فإنّه في جميع الحالات فمن الواضح أنّ الخشية من عمل مغامر كوسيلة للفت اهتمام الرأي العام من إخفاقات الحكومة في المجال الاجتماعي يؤكد أولاً على أن نتنياهو فقد ثقة الجمهور، وأن التقديرات السائدة الآن تقول إنّه قد يعمل كل شيء للخروج من الخطر الذي تواجهه سلطته.
وذكر المحلل قرار اغتيال خالد مشعل في العام 1997 خلال ولاية نتنياهو السابقة في رئاسة الوزراء، وكان الهدف في حينه الانتقام وليس تحويل أنظار الجمهور عن قضايا أخرى، ولكن ذلك، برأيه، يشير إلى أساليب عمل رئيس الوزراء، التي يمكن استخلاصها.
وأورد المحلل أبوابا أخرى للمخاوف التي تتزايد في الأيام الأخيرة، بينها صفات خاصة برئيس الوزراء مثل التسرع وتغييره لقراراته (ليس قناعاته) وكونه لا يتردد في استخدام الوسائل للحفاظ على مكانته في وسط الجمهور، لافتًا إلى أنّ تصريحات رئيس الموساد السابق مئير دغان تؤكد ما يذهب إليه، حيث حذّر الأخيرة من الخطر الذي يمثله نتنياهو ووزير الأمن إيهود باراك في حال قررا شن هجوم على إيران. ولكنّه مع ذلك، يقول، إنّه في جميع الحالات فإنّ القرار بشن حملة عسكرية يجب أن يتخذ في المجلس الوزاري المصغر على الأقل، وفي هذه الحالة لا يستبعد الكاتب أن يعارض ذلك وزراء مثل دان مريدور وبنيامين بيغين ورئيس أركان الجيش وجنرالات الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنيّة، لافتًا إلى أنّه من الجائز الافتراض بأن رئيس الوزراء يدرك أنّه لا يمكن معرفة كيف ستنتهي العملية العسكرية، وأن الخط الأكبر بالنسبة له، أو بالنسبة لكل وزير آخر يتسلى بفكرة المبادرة إلى حملة عسكرية، هو أنه في حال انكشاف ذلك فسوف يتهم بالمغامرة ويحمل مسؤولية مقتل شباب فيها، وبالتالي فإنّ هذه المخاوف وحدها تكفي لردع نتنياهو عن الإقدام على مغامرة عسكريّة.