يقيم لاجئون فلسطينيون هجرتهم عصابات اليهود من منازلهم داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، في مخيّم الفوار جنوب جبل الخليل بالضفة الغربية، في انتظار دائم لعودتهم إلى ديارهم ومنازلهم التي هجروا منها قسرًا.
وينظر العديد من صغار وكبار المخيّم الذي يسكنه نحو 8000 لاجئ فلسطيني، بترقب إلى ذلك اليوم الأخير الذي سينتهي عنده وجودهم في هذا المخيم، وإنهاء معاناتهم وسط الزحام وانهيار الخدمات وسوء الأوضاع الاقتصادية والأحوال المعيشية.
وتختلط معالم تلك المعاناة مع اعتداءات منقطعة النظير ينفذها جنود الاحتلال بحق السكان الفلسطينيين القابعين في المخيم، بين الاعتقالات وتكثيف الحواجز العسكرية وعمليات الترهيب والملاحقة بحق سكانه فتية وشيوخ ونساء ورجالًا.
ساعة العودة
وتوضح إحدى المسنات من عائلة أبو هشهش، أنها قدمت مع عائلتها إلى هذا المخيم بداية الخمسينيات في القرن الماضي، برفقة مئات العائلات الفلسطينية، مشيرةً إلى أن وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" قدمت المساعدات البسيطة للاجئين المشردّين، المتمثلة بتوفير الغذاء والمنازل الصغيرة.
وقالت: "مكثنا في هذا المكان ساعات وأياماً ومن ثم شهوراً وسنوات، بانتظار ساعة العودة إلى البلاد ولكن الناس لم يتوقعوا آنذاك أن تطول الرحلة ويطول البعد والفراق عن أراضينا التي ورثناها عن الأجداد".
ونوهت إلى أنها تستذكر على الدوام مع من في مثل سنها في المخيم، أيام التهجير بحزن متفاقم وعذابات متوالية، وغصات في القلب تكبر شيئًا فشيئًا دون أن يمحو الزمان آثارها.
وتحلم الحاجّة أبو هشهش بيوم العودة إلى الديار والبلاد التي أخرجت منها، مشيرةً إلى أنها تركت أحلامها وذكرياتها وآلامها خلفها وأتت إلى المخيّم صفر اليدين، وقالت في الوقت ذاته: "أريد أن أستنشق عبق بيارات "عراق المنشية" الوادعة التي كنت أسكنها مع عائلتي بأجمل الأحلام والأيام".
وتحتسب تلك الحاجة عند الله تعالى الويلات التي تجرعتها والآلام التي كابدتها خلال السنوات الطويلة التي قضتها في المخيم، دون أي رقيب أو حسيب دنيوي.
أحوال سيئة
فيما تحدث المواطن أبو محمد عن أحوال المخيم المعيشية، مؤكدًا أنها تتمثل في انعدام مقومات البنية التحتية والخدمات الصحية.
وأشار إلى أن المخيم يعاني كغيره من المخيمات الفلسطينية من سوء البناء وازدحامها وصغر اتساع الطرقات، وغيرها من العوامل المؤرقة، وأضاف: "إن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، حيث يقع المخيم بجوار شارع استيطاني يربط مستوطنات الاحتلال في منطقة جنوب الخليل ومدينة بئر السبع المحتلة".
ويقيم الاحتلال نقطة عسكرية دائمة على مدخل المخيم، والتي حوّلت حياة السكان هناك إلى جحيم لا يطاق، بينما تكثفاً بشكل يومي عمليات التفتيش والاحتجاز والتدقيق في بطاقات الداخلين للمخيم والخارجين منه".
اعتداءات الاحتلال
وكان المخيّم منذ اليوم الأول لتسييجه، ضحية اعتداءات الاحتلال المستمرة والمتكررة والتي فاقمت معاناة السكان، حيث اعتقلت (إسرائيل) المئات من أبناء المخيم، وما يزال آخرون يقبعون تحت نير الاعتقال في سجونها.
وقدّم المخيم عددًا كبيرًا من الشهداء خلال الانتفاضتين الفلسطينيتين، ويعايش المخيم عمليات مداهمة شبه يومية وتكثيف للتواجد الأمني على مدخله، بينما يتعمد الاحتلال إغلاق بوابته الرئيسة بين الفينة والأخرى.
وإزاء ذلك يجبر السكان والقاطنين هناك، على السير والتنقل مشيا على الأقدام وعبور الشارع الالتفافي مشيا على أقدامهم، واستمر ذلك الحال لعدة أعوام امتدت منذ اليوم الأول لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
ولم تشفع تلك الأحوال شيئًا أمام المستوطنين، الذين كرروا اعتداءاتهم على السكان هناك، من خلال عمليات الدهس المتعمدة وعمليات التنكيل الأخرى والتضييق التي فرضتها سلطات الاحتلال لدعم ومؤازرة وتوفير الحماية للمستوطنين المارين بجوار الشارع الرئيس هناك.